سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}
قال لآدم بعد إخراج إبليس من موضعه من السماء: اسكن أنت وحواء الجنة. وقد تقدم في البقرة معنى الإسكان، فأغنى عن إعادته. وقد تقدم معنى ولا تقربا هذه الشجرة هناك. والحمد لله.


{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20)}
قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ} أي إليهما. قيل: داخل الجنة بإدخال الحية إياه وقيل: من خارج بالسلطنة التي جعلت له. وقد مضى هذا في البقرة. والوسوسة: الصوت الخفي. والوسوسة: حديث النفس يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو. والوسواس بالفتح: اسم مثل الزلزال. ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي: وسواس. قال الأعشى:
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت *** كما استعان بريح عشرق زجل
والوسواس: اسم الشيطان قال الله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ}. {لِيُبْدِيَ لَهُما} أي ليظهر لهما. واللام لام العاقبة كما قال: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} وقيل: لام كي و{وُورِيَ} أي ستر وغطى عنهما. ويجوز في غير القرآن أورى مثل أقتت ومن سوءاتهما من {عوراتها} وسمي الفرج عورة لأن إظهاره يسوء صاحبه. ودل هذا على قبح كشفها فقيل: إنما بدت سوءاتهما لهما لا لغيرهما كان عليهما نور لا ترى عوراتهما فزال النور.
وقيل: ثوب فتهافت، والله أعلم. {إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} {أَنْ} في موضع نصب، بمعنى إلا، كراهية أن فحذف المضاف. هذا قول البصرين. والكوفيون يقولون: لئلا تكونا.
وقيل: أي إلا ألا تكونا ملكين تعلمان الخير والشر. وقيل طمع آدم في الخلود لأنه علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة. قال النحاس: وبين الله عز وجل فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن فمنها هذا وهو {إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ}. ومنه {وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ}. ومنهَ- لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وقال الحسن: فضل الله الملائكة بالصور. والأجنحة والكرامة.
وقال غيره: فضلهم جل وعز بالطاعة وترك المعصية، فلهذا يقع التفضيل في كل شي.
وقال ابن فورك. لا حجة في هذه الآية، لأنه يحتمل أن يريد ملكين في ألا يكون لهما شهوة في طعام. واختيار ابن عباس والزجاج وكثير من العلماء تفضيل المؤمنين على الملائكة، وقد مضى في البقرة.
وقال الكلبي: فضلوا على الخلائق كلهم، غير طائفة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، لأنهم من جملة رسل الله. وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة، والفضل بيد الله. وقرأ ابن عباس {ملكين} بكسر اللام، وهي قراءة يحيى بن أبي كثير والضحاك. وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال: لم يكن قبل آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ملك فيصيرا ملكين. قال النحاس: ويجوز على هذه القراءة إسكان اللام، ولا يجوز على القراءة الأولى لخفة الفتحة. قال ابن عباس: أتاهما الملعون من جهة الملك، ولهذا قال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى}. وزعم أبو عبيد أن احتجاج يحيى بن أبي كثير بقوله: {وَمُلْكٍ لا يَبْلى} حجة بينة، ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها. قال النحاس: {إلا أن تكون ملكين} قراءة شاذة. وقد أنكر على أبى عبيد هذا الكلام، وجعل من الخطأ الفاحش. وهل يجوز أن يتوهم آدم عليه السلام أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة، وهو غاية الطالبين. وإنما معنى {وَمُلْكٍ لا يَبْلى} المقام في ملك الجنة، والخلود فيه.


{وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
قوله تعالى: {وَقاسَمَهُما} أي حلف لهما. يقال: أقسم أقساما، أي حلف. قال الشاعر:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم *** ألذ من السلوى إذا ما نشورها
وجاء فاعلت من واحد. وهو يرد على من قال: إن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين. وقد تقدم في المائدة. {إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ} ليس {لَكُما} داخلا في الصلة. والتقدير: إني ناصح لكما لمن الناصحين، قاله هشام النحوي. وقد تقدم مثله في البقرة. ومعنى الكلام: اتبعاني أرشدكما، ذكره قتادة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8